مافيا أوكارها في جنح الليل، وأبطالها أباطرة دروس الدعم. من هم؟ وكيف يتحركون؟ وما هي خططهم السرية والعلنية؟ وبأي حيل يستدرجون التلاميذ إلى شباكهم؟ وكم تذر عليهم تجارة يملكون سنداتها ورسومها وسجلاتها؟ وكيف يستبيحون كل القيم حين يقايضون أموال الدعم بالنقاط الموجبة للنجاح ويبيعون أجوبة الفروض لمن يدفع أكثر؟ لنتابع…
لا يوجد قانون يصادر حق التلميذ خاصة ، أو الطالب الجامعي في البحث عن فرص لتقوية قدراته التعليمية وكفاءته العلمية خارج أسوار المؤسسة، بل إن الأمر مطلوب، إلى أبعد الحدود، لتنمية المعارف التربوية، واستدراك نقاط الضعف والنقص في عدد من المواد العلمية، على الخصوص، التي لا تكفي لأجندة الزمنية للإلمام بجميع معادلاتها وفرضياتها وحلــــــــــولها.
لكن من ثنايا هذا الحق، يطلع “عفاريت” الدروس الليلية الذين حولوا حاجة مشروعة في الدعم المعرفي إلى سجل تجاري يملكون وحدهم مفاتيحه ورهونه، يبيعونها في سوق سوداء تنصب خيامه، كل يوم، ما بعد الساعة السادسة مساء، ويستمر إلى صباحات العطل الأسبوعية والعطل المدرسية، يتحكم فيه جيش من الأساتذة والأستاذات ينتمون إلى جميع أسلاك التعليم العمومي بأستناء الشرفاء منهم ، ومستعدين إلى إشهار الرصاص الحي في وجه كل من ينازعهم مكسبا يذر عليهم ملايين الدراهم شهريا يستخلص من جيوب الأسر عن طريق الابتزاز والمقايضة، أو ما يسمى “الدعم مقابل النقطة”.
.
مصاصو جيوب بالفطرة، يعرفون، بالضبط، متى يلسعون أرزاق الآباء والأمهات الذين يدفعون لهم عن طيب خاطر أحيانا، وأحيانا كثيرة تحت الإكراه الرمزي والمعنوي، ومنهم من يدفع لهم ليس رغبة في دعم قدرات أبنائهم، بل طمعا في عفو عند مقدرة استعمال سلطة “النقطة”، ومعدلات الفروض والمراقبة المستمرة ونقاط المشاركة والتقدير.
حراس المعبد وسدنة الأقسام المقدسة الذين يملكون، وحدهم، حق توزيع صكوك النجاح، ولا فرق لديهم بيـــن التلاميذ النجـــــــــــباء، وزمـــــــــلائـــــهم الكــســــالـــى وغـــــــــــــــــــير المتفوقين إلا بما ملكت خزائن الآباء الذين يستظهـــرون التعاليم عن ظهـــــر قلب، ومستعدين، بتلــــــــــــقائية غريبة، لذبح القرابين نهاية كل شهر على أعتاب الدروس الليلية لضمان مقعد لأبنائهم في القسم الموالي، دون تدقيق كثير في أسئلة مزعجة مثل الجودة والمحتوى والنجاعة، المهم المرور إلى المرحلة اللاحقة المؤدية إلى الباكالوريا بأقل تكلفة ممكنة، ليتولى الزمن الباقي..
مافيات التعليم العشوائ
أباطرة التعليم العشوائي الذين يستفيدون من “التراخيص الاستثنائية” لبناء براريك القصدير المعرفي، ويبيعون “بقع” الرياضيات والفيزياء وعلوم الحياة والأرض واللغات الحية والفلسفة والعربية بالتقسيط غي المريح، تحت أنظار الوزارة والنيابات وجمعيات أولياء وآباء التلاميذ ومؤسسات الرقابة والمجتمع المدني الذين يضربون صفحا على ممارسات “لوبي” خطير يتمتع بقدرات كبيرة في التنظيم، ويضم في عضويته ثلثي رجال التعليم، حسب تقديرات متفائلة لعدد كبير من المصادر تحدثت إليهم “أزمور24”.
هؤلاء هم الذين يفسدون المنظومة التربوية اليوم، ويحكمون عليها بالفشل ويؤبدون حالة الأزمة البنيوية التي رافقتها لسنوات، حتى أصبح التعليم المغربي مثالا سيئا ومشوها يستشهد به في المنتديات..
أغبياء وأذكياء
المنافسة شرسة في ملعب دروس الدعم الليلية التي تبيض ذهبا كل ليلة بأقل مجهود ممكن. والأساتذة الأغبياء، في نظر زملائهم، هؤلاء الذين يضعون رجلا على رجل في المقاهي ويعبئون كلمات متقاطعة بليدة، بعد انتهاء حصصهم الرسمية بالمؤسسات التعليمية، أو الذين يفضلون توزيع أوقات فراغهم في المساء بين القراءة والتكوين الذاتي وضمان حق الأبناء والزوجة والأسرة في فسح ومتع مستحقة.
أما الأذكياء و”القافزين”، فهم الذين يعرفون من أين تؤكل أدمغة التلاميذ وإقناعهم أن دروس الدعم فرض عين عليهم، إذا لم يؤد كله ولا يقبل جزؤه في ميزان الاستحقاقات نهاية الأسدسين الأول والثاني، المفضيين، منطقيا، إلى الامتحانات الجهوية والوطنية.
هؤلاء يرفعون عاليا النداء السوقي “ما بقاش مابقاش ولي تلا ماداش” في التعامل مع تلاميذهم الذين يصبحون، في هذه الحالة، مجرد زبناء مجبرين على اقتناء بضاعة حكومية مجانية (المادة المدرسة) بالدفع المسبق، أو اللاحق، حسب الاتفاق. ومن يرفض فلن يلومن إلا نفسه يوم لا ظلال إلا ظلال النقاط الموجبة للنجاح نهاية الموسم.
وتعطي هذه الممارسة غير القانونية، في الواقع، كائنات غريبة لا تنتمي بالضرورة إلى حقل العلم والمعرفة والتربية، بكل مفاهيمها الممكنة، بل إلى عالم التجارة السوداء المتحررة من كل قيود المنافسة والقوانين وأخلاقيات المهنة، حيث كل الأسلحة والضربات مباحة، بما فيها تحت الحزام.
هذه الضربات يتحسسها عدد من التلاميذ الذين لا تروق لهم قواعد اللعبة، حين يشن عليهم الأستاذ حربا نفسية مقيتة داخل القسم ويطوح بهم إلى الصفوف الأخيرة، ويصادر حقهم في المشاركة و”النهوض إلى السبورة”، ويقمع ملاحظاتهم ويسفه وجودهم من الأساس في فصل أغلب المحتلين لمقاعده زبناء أوفياء للأستاذ، كأنما يسألهم لهم همسا: “هل يستوي الذين يدفعون والذين يدفعون السنطيحة فقط.
ملل ونحل
في الغالب، يتوزع أساتذة الساعات المضافة إلى فئتين، لكل فئة أساليبها وحيلها في استمالة التلاميذ واستدراجهم إلى دروس تضرب في العمق مجانية التعليم، حين تفرض على الأسر أتاوات شهرية، قد تصل في المعدل إلى 1500 درهم بالنسبة إلى الأسر التي يتابع أكثر من ابن تعليمه في مؤسسة ثانوية.
الفئة الأولى: تمثل الملتحقين الجدد بجنة الساعات الإضافية التي تسيل لعاب عدد كبير من أساتذة وأستاذات التعليم العمومي، بمن فيهم هؤلاء الذين يدرسون مواد عادية لا تتطلب مجهودا كبيرا أو دعما لاستيعابها مثل العربية مثلا.
هذه الفئة تعرف أن السوق يشهد منافسة قوية بين زملائهم وعليهم أن يجتهدوا بشتى الطرق لإيجاد موقع لهم تحت جنح الليل. ومن هذه الطرق خلع وزرة الأستاذ وارتداء جلباب خطيب مفوه يعطي دروسا في أزمة التعليم في حضرة تلاميذ يوافقونه الرأي بإماء من رؤوسهم، قبل أن يعرج على التفاصيل، ومنها مثلا أن الوزارة وحدها تتحمل وزر البرامج والدروس والمواد المكتظة، والحيز الزمني القصير الذي لا يمكن استيعاب هذا الكم من الدروس، علما أن التلاميذ “المساكين” متابعون بفروض وامتحانات جهوية ووطنية في دروس ومواد لا يعرفون شكلها أو لونها لأن الوقت لم يسمح للأستاذ “المسكين” بالوصول إليها.
هذه الخطبة العصماء يكون لها ما بعدها طبعا، حين يبدأ الأستاذ في تلقي استفسارات التلاميذ عن الحل لتجاوز هذه المعضلة البنيوية، فيتظاهر الأستاذ أول الأمر بأنه ليس في موقع إعطاء الحلول مكان الوزارة الوصية، وهو غير مسؤول عن ذلك. وبين سؤال تلقائي ورد مبهم، تبدأ الوصفة في النضج التي لن تخرج عن دعوة للمساهمة في سد الهوة بين النقص في الحيز الزمني وكثرة الدروس والمواد، بالتعاون في إعطاء دروس للدعم خارج الحصص الرسمية، لكن بمقابل طبعا.
الفئة الثانية: تمثل “نجوم” الساعات الإضافية الذين يتهافتون عليهم التلاميذ ويطلبون ودهم ودعمهم، دون حاجة إلى خطاب، أو كلام منمق يمهد للعملية. هؤلاء معروفون بأسمائهم بمؤسسات المغرب، والأماكن الشهيرة التي يزاولون بها عملهم الليلي، وهو يتوزعون إما إلى أساتذة أكفاء يحظون بالاحترام لدى التلاميذ، لامتلاكهم ناصية الإضافة النوعية، وبالتالي “يستحقون”، تجاوزا، تعويضاتهم الشهرية، وإما إلى أساتذة ذوي “جباه صلدة”، لا يتميزون بأي كفاءة معرفية، ورغم ذلك، يحققون مكتسبات شهرية مهمة، فقط لأنهم يعرفون كيف يلوحون بعصا “النقطة” التي يخيفون بها التلاميذ المتغيبين عن حصص التقوية.
أخلاقيات” الدعم”
من وسط كلا الفئتين، يدافع أساتذة على ما يطلقون عليه أخلاقيات دروس الدعم، واحترام التعاقدات وعدم تجاوز الحدود المؤطرة لميدان يغلب فيه العرف على القانون. بمعنى أن هناك من يدعو، من وسط أساتذة الدعم، إلى سن “مدونة للأخلاق” في مجال لا يمت للأخلاق والقانون بصلة، بل يندرج تحت طائل النصب والاحتيال الموجب للعقاب.
مبعث هذا النقاش، بعض الممارسات المشينة التي يقترفها بعض الأساتذة والأستاذات ويضرب في العمق الموقع الاعتباري لرجل واحد، يبلس في الصباح جبة الواعظ والمربي أمام تلاميذه، ويرتدي في الليل فتسان ضيقا للرقص على إيقاع من يدفع أكثر من التلاميذ أنفسهم. وتصل ذرة “النشاط”، حين يستل الأستاذ ورقة أسئلة الفرض الذي سيعرض على التلاميذ في الصباح بالمؤسسة العمومية، وبعد تدريب بسيط على الأجوية، يستدل ورقة أخرى عليها الأجوية الصحيحة ويوزعها عليهم لنسخها…
في بعض الأحيان، يتحول الأستاذ إلى “شناق” في سوق أسبوعي للأغنام، إذ يعمد إلى “تكثيف” التلميذ بمنهجية جهنمية في التدريس الليلي، تقضي بقلب التسلسل المنطقي لدروس المادة موضوع الدعم، إذ يبدأ من الدروس الأخيرة، أو ما قبل الأخيرة التي تمثل هاجسا للتلاميذ خوفا من الاختبار فيها خلال الامتحانين الجهوي والوطني، إذا كان الأمر يتعلق بتلاميذ الثانوي التأهيلي..
هناك من يلجأ إلى سلاح يطلق عليه “الأسلوب” لمحاربة التلاميذ الذين تعجز أسرهم على توفير تعويضات دروس الدعم، أو الذين يرفضون هذه الدروس من حيث المبدأ.
في هذه الحالة، يستنفر الأستاذ المعني كل مجهوداته لضبط أوراق امتحانات التلاميذ غير الزبناء التي تحمل الأجوبة نفسها التي وزعها أثناء دروس الدعم. وكثيرا من رفض الأستاذ أجوبة صحيحة لتلميذ بمبرر أن طريقة استدلاله في الإجابة على الأسئلة تشبه “أسلوبه”، فيمنحه دون تردد نقاط إيجابية ختاما مافيات تضع سيف النقط على رقاب التلاميد خاصة أبناء الطبقة الهشة.
أنجاز أزمور24