عمود لابد منه عن الانتخابات و”سوق السياسة”

azemmour 2416 سبتمبر 2021 مشاهدةآخر تحديث :
عمود لابد منه عن الانتخابات و”سوق السياسة”

إن الحديث عن إشكالية التنمية المحلية في الخطاب السياسي خلال الانتخابات الجماعية ، تطلب منا البحث عن وضعية الخطاب السياسي بالمغرب، والتي ما زالت أسيرة نظرة ضيقة مفادها، أنه الوحيد المؤهل للتعبير عن طموحات المجتمع.

إن المجال المغربي تكاد تكون علته في طبيعة المجتمع ذاته، مجتمع تقليدي قبلي، بالرغم من دخولنا إلى الألفية الثالثة (كحضور فقط). ما زال الفاعل السياسي المغربي يعيش على طبيعة اختلال المشهد السياسي عن واقع الأحزاب المغربية يكمن في ضعف دورها التقليدي، وصعوبة إنجاب ديمقراطية، أو نخبة سياسية تعبر عن التصورات الحقيقية للمواطنين. هل يمكن القول أن التجربة الجماعية تبعث على الارتياح وتحقيق مطالب المواطن؟.

على العموم إن الانتخابات الجماعية التي مرت منها التجربة المغربية، كانت تنتج نخبا سياسية لا تعبر لا بقليل ولا بكثير عن مطامح المواطن المغربي، فهي لا تكاد ترتبط بالمواطن بأي صلة، فقط تغدو لخدمة مصالحها ومكتسباتها بطرقها “الاستبدادية” وسياساتها الجاحفة، وهي بذلك تزكي المقولة الماركسية “ذلك أن الشعب يذهب كل مرة لينتخب الطبقة التي تسحقه”.

ما فتئت الهوة تتسع بين طبيعة الخطاب وواقع الممارسة لدى الأحزاب المغربية باعتبارها مقاولات سياسية، ففي اللحظة التي يتم فيها على مستوى الخطاب رفع شعارات المطالب بالتنمية المحلية والتنمية الوطنية، نجد تلك الأحزاب على مستوى الممارسة أبعد ما تكون عن تجسيد تلك الشعارات على مستوى تحقيق التنمية السياسية الداخلية للحزب ولنخبه، ما يبرر هذا القول أن الأحزاب المغربية ما زالت عاجزة عن التواصل مع المواطنين ولم تواكب التحديث الحاصل للوسائل التواصلية والتسويقية –بالمعنى السياسي- وظلت تركض وراء أساليب نخبوية، تقليدية، وشخصية للتواصل مع المواطن وتسويق منتجاتها داخل مجال “سوق السياسية”.

أمام هذا الوضع المأزوم للفاعل السياسي داخل التنظيم السياسي المغربي، أصبح الفاعل السياسي يعانق سؤال الاتصال أو الانفصال بين الأخلاق والسياسة. لهذا فإذا كانت الانطلاقة فاسدة، فالنهاية أفسد، إذ لا يمكن مطالبة غير المتخلقين من السياسيين بأن يتخلقوا، إنه مطلب مستحيل. لكن حين تتحقق تربية حقيقية يمكن مطالبة المتخلقين بأن يتسيسوا، لأن الأخلاق سيرورة ملتصقة بالإنسان منذ نشأته. إن هذا يعني أن العقل السياسي يستمد معاييره من العقل الأخلاقي.

إن المسؤولية تقع من الناحية الأخلاقية على عاتق كل من الأحزاب السياسية والمواطنين. فالأحزاب السياسية لا تراعي في تزكية مرشحيها الأخلاق والكفاءة والمواطنة والسلوك المثالي، بل تهدف لضرورة العملية الانتخابية من تغطية دوائر المجال بعدد كبير من المرشحين هاجسها هو الكم وليس الكيف. تمنح التزكيات لمنعدمي الضمير والأميين لا همّ لهم إلا الجشع والركود وراء المصالح الذاتية والشخصية، لهذا فالمسؤولية تقع على عاتق الأحزاب السياسية بالدرجة الأولى التي لها كامل الصلاحيات والوسائل لتأطير المواطنين وتوعيتهم.

أما بالنسبة للمواطنين، فيشكل الوعي والتربية أساسا تقويم سلوك المنتخبين وذلك بوضع الحسابات خلال عمليات التصويت لاختيار-لا محالة- منتخبين جماعيين في مستوى المسؤولية الانتخابية، ويكون هاجسها الرئيسي المصلحة العامة فوق أي اعتبار، بدل منتخبين معتمدين على “تجارة الانتخابات” يظهرون أثناءها ويغيبون بعد نجاحهم ما داموا أنهم أدوا الثمن عن ذلك. لقد استطاعت المقاولات السياسية المغربية إنتاج خطاب سياسي تناولت من خلاله إشكالية التنمية المحلية سواء بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، وقد أعدت بذلك برامج انتخابية تهدف في بعدها الاستشرافي لتحقيق التنمية المحلية إلا أن هذا الخطاب التنموي ظل يتسم بلغة شمولية وغياب معطيات رقمية، حيث تحولت المقاولات السياسية ونخبها إلى ضامنة للتنمية المحلية، الشاملة والمستديمة… ألخ.

إن توظيف التنمية المحلية في الخطاب السياسي بهذه الطريقة قد ساهم في المقام الأول بتقديم صورة مغلوطة عن تدبير الشأن العام المحلي، ذلك أن صياغة البرامج والخطب تحكم فيها الهاجس الكمي لاستقطاب وإقناع الناخبين.

كما كشفت عن وجود شرخ كبير بين الخطاب الكتابي (البرامج الحزبية) والخطاب الشفوي للنخب السياسية حول إشكالية التنمية المحلية، لقد عاينا، بأن هذه النخب تنتج هي الأخرى خطابات تنموية بشكل أو بآخر، وفق الوعي السياسي للناخب /المستهلك. وهذا يساعد المرشح من إنتاج خطاب سياسي عام وغامض، يبحث في الأزمة أكثر من البحث عن الحلول الواقعية للجماعة المحلية.

بيد أن هذا الأمر ساهم في تشويه واقع الجماعات المحلية على مستوى تحديد المسؤوليات؛ فجميع الأحزاب والمرشحين عنها  يضعون أنفسهم في خانة المنتقذ لمظاهر الفساد والمفسدين، وتراجع الوضعية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمالية للجماعة المحلية.

في الحقيقة أن فشل وجود انتخابات نزيهة وديمقراطية بالمعنى الغربي في المغرب تكاد تكون علتها في طبيعة المجتمع المغربي، هل يمكن القول معها، بأن المجالس الجماعية قادرة على تحقيق التنمية المحلية؟.يمكن الحكم عليها مسبقا بالفشل منذ الآن، “أتمنى أن أكون مخطئا” فالمجالس الجماعية الحالية ما هي إلا طبقة كانت تنتظر دورها على غرار تعاقب النخب السابقة. فكيف أن نسعى إلى تحقيق التنمية المحلية في غياب تنمية بشرية حقيقية؟.

لمواجهة هذه التحديات نعتقد أن الأحزاب السياسية، التي كانت وستبقى قاطرة للمجتمع، مطالبة بتجديد نخبها وخطبها وممارساتها السياسية عن طريق تحديث آلياتها التواصلية والتسويقية. كنا ننتظر من الأحزاب السياسية المغربية أن تقوم بنقذ ذاتي عميق، وأن تراجع سياساتها الانتخابية في أفق إصلاح شامل للمنظومة الانتخابية والمسار الديموقراطي في سبيل تحصين مسار المشهد السياسي.لكن يبقى السؤال المطروح إلى متى ننتظر الإصلاحات “العمودية” لرد الاعتبار للعمل السياسي بالمجال المغربي؟.

اترك تعليق

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


شروط التعليق :

عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

الاخبار العاجلة
error: جميع الحقوق محفوظة